الجمعة، 19 أكتوبر 2007

عصافير آذار




قدمه العاري فوق الثلج.. قبعة صوفية حول رأسه الصغير و صندوق خشبي معلق بذراعه و شفاه قرمزية ترتعد تحت أمطار آذار، فشلت كل محاولاته لتسلق شجر عيد الميلاد فاستكان إلى جذع شجرة الكرم و نام في عراء من كل شيء إلا وحشة الليل و أنفاس مساء غير مطمئن، بدأت الشمس تسطع و الصحو يلف الهواء و أسراب من الأطفال الطائرة تغزو السماء -ببساطة بدأ يحلم - عصافير زرقاء تسرق الكرم الأحمر و تغني.. تغني...و هو يمسد ريشها بكفه الصغير و يطعمها ما في الكف من بذور الكرم الذي ابتلعه للتو هل يا ترى ينبت الكرم في آذار- بالتأكيد هو في ذروة الحلم- حارس البستان يقتحم هذا المشهد الحي بعصاه الغليظة و التي بدأ يهش بها على العصافير فطارت و يصفع بها الصغير فيسقط على الأرض و تذرف عيونه ذرات من العسل الأبيض-هنا أدركه أول كوابيس آذار- تململ في نومه فتح عيونه الصغيرة لكن قطرات المطر أغمضتها فنصب شباك السبات ليعيد اصطياد الحلم ليتابع رحلته داخل البستان- بدأ يحلم مرة أخرى- العصافير هذه المرة سوداء ربما هو انعكاس للحزن و ربما شيء أخر جعله يفزع من نومه ليجد عصفوراً مبتلاً ينقر الماء المتكاثف فوق قدميه العاريتين فاحتضنه و خبأه داخل جيب كنزته الصوفية ثم استفرد بنومه و بأوراق الكرم التي بدأت تتساقط فوق رأسه هل تترك شجرة الكرم أوراقها على أبواب آذار - بدأت هواجس آذار تغزو حلمه- نفض عن رأسه الورق الأصفر و ضم ساقيه بأقدامهما العارية إلى صدره المغطى بالكنزة البالية و أحكم إغلاق عينيه ليرى العصافير من جديد تملأ صدر السماء بينما عصفوره المبتل يشق الغيم محاولا ً اختراق السماء الثامنة التي رسمتها غيوم آذار حاملاً بين مخالبه البيضاء حذاء زجاجي من أجل القدم العارية و صوت غامض يناديه "هيا أقبل أيها الحالم الصغير" سارع يمد اليد إلى أعلى ليدركه و كلما اقترب أكثر كان العصفور يرتفع أكثر بينما ذراعه يزداد طولا ً و نحولا و الصوت الغامض يعاود الهمس و يتلاشى إلى أن غاب العصفور تماما ًو انقطع الذراع- نهاية محتومة لحلم نائم في العراء- لم يتبق له سوى استيقاظة أخيرة قبل أن ينتحر حلم امتلاك الحذاء و ليهرول فوق الثلج بعري قدميه و حلمه المبتل و العصفور الذي مات في جيبه....