الأحد، 3 فبراير 2008

رجل رأى موته مرتين



لم ينتبه كثيرا لانفلات الساعة من معصمه إلا بعد أن أحدثت ضجة تليق بحجم أربع و عشرين ساعة محبوسة بين عقربين، داستها أقدام عدة بأحذية متفاوتة الحجم و اللون و الوقع على الأرض لم يعبأ لاتساخها.. لتحطمها... لضياعها لم يعبأ إلا بعدد الأقدام التي لا تبصر ما تحتها عدد الرؤوس المشرئبة تتابع طابور من الشحاذين الصغار يعبر الطريق مستندة أذرعهم إلى أكتاف بعضهم فيما يشبه القطار المتماوج محدثين صفيرا ً كأجهزة الإنذار العتيقة تخترق بنيانهم قطط ضالة، قطعوا الشارع جيئة و ذهاب ألف مرة و الساعة مازالت تتهشم تحت أقدام المارة و صفيرهم يزداد علوا ً و تكرارا ً و الرؤوس تتابع المشهد، يبدأ نفير محطة القطار لتتوقف الحركة تماما منتظرة قدوم القطار يتجمد المشهد برمته صفير الشحاذين.. خطوات المارة....و كأنما على رؤوسهم الطير، أي طير هذا يصمد أمام الريح الذي يحمله القطار حين توحش و اجتاز المسافة ما بين الرصيفين و اجتاز جسده نعم اجتازه تماما ً و عبره بخطوتين!
بدأ المشهد يتحرك تدريجيا ما بين الهابطين من القطار و منتظريهم و الأكف تلوح و الساعة مازالت تتكسر تحت الأقدام و هو لم يبرح مكانه إلى جوارها، تفرق قطار الشحاذين ليتسابقوا في مد أيديهم العارية للمسافرين و العائدين بأتربة الطريق و اتساخ الغربة و رائحة الطعام المعبأ بالحقائب و زجاجات المشروبات الغازية المبتلة في أدل الباعة الجائلين و قبلات الاستقبال و التوديع، و هو يراقب الساعة و قد تلاشت ملامحها تقريبا..
وسط هذا الزحام تأكد أنه غير مرئي تجتازه كل الأجساد تعبره كغبار تخترقه كوهم برز فجأة، تذكر عجلات القطار حين داسته من قبل تذكر الساعة ذاتها حين انحنى يلتقطها من فوق القضبان الميتة على الأرض تذكر ميتته الأولى نعم هو مات من قبل مات هنا و تحت تلك القضبان و في مثل تلك الأثناء، لم يفكر في التقاط الساعة مرة أخرى،
الساعة كانت هديتها الأولى له و كان موعده معها على شريط المحطة، تكرر الأيام نفسها كما تتكرر هي الآن ، ها هي فتاته تنزل من القطار و تقبل بثوبها الأبيض مبتسمة بادلها الابتسامة حاول تحريك أقدامه والركض إليها... فشل و كأنما مغناطيس شده إلى الأرض...لكن فتى آخر كان يركض نحوها صافحها ... تأبط ذراعها و سار معها... صدمته المفاجأة كعجلات القطار .. تهاوى... مات من جديد، موتا ً مدهشا ً لرجل رأى موته مرتين

ليست هناك تعليقات: