السبت، 20 أكتوبر 2007

غرق في بحر اللون


في بحار الألوان غرق , الفرشاة في روحه و الألواح معلقة على شغاف فؤاده , كلما أساء الظن بالنهار تذكر جيداً ما تبقى له من إرث في هذي الأرض _يقين و سماء_
البحر أمامه و الأيام و مساحات الذكريات الفائتة تمتد لعدة فراديس وراء ظهره .
على طول المدى يرسم بحراً و شاطئ و انفراجه شفه وشهقة مكتومة , و اللون الأزرق يغزوه و يضرب في صمت أجنحة النوارس البيضاء فهذا هو موسم الهجرة و الشتاء و الشعر و الألوان و الشوق إليها و موسم النورس فكم من مرة ردد في همس : آه لو عُلِمتُ منطق الطير !!
ينتظرها بشغف العينين و القلب لتطل إليه من يبن ضرام الأمواج المتهافتة على اصفرار الشاطئ , يرسمها عروساً للبحر و حلماً ضارباً في الغرابة , ينحت في الذاكرة و في المخيلة المصمتة سلماً ربما يبلغ به أول نجمة معلقة في جو السماء.
ينظر طويلاً إلى لوحاته و يتأملها و يتمتم : هل تشبهها حقاً !!
ثم يجيب ذاته: لازالت اللوحة ينقصها بعض اللون .
ينتظر أن تطالع هي بنفسها اللوحة و ترى مدى التشابه بينها و بين الحقيقة إلا أنها لا تأتي و اللوحة لا تكتمل .
عامان و لم تأت منذ أن انسحبت إلى أجنحة النورس و خاضت غمار السماء تاركة وراءها الأرض و السراب و الأحلام و عاشق متيم بالعودة .
و يعاود الرسم من جديد فتمطر السماء وتختلط الألوان على وجنتيها فتبكي عيناها !!
فيعيد الرسم فتلفح الشمس جبهتها فتلمع صورته على سطحها فيري كم صار وجهه شاحباً !!
فيعيد ترتيب خصلات شعره و تهذيب شاربه و يرفع منظاره الطبي و يفرك رقاقة من النعاس عن أطراف جفونه , نفدت الألوان فاسترخى تحت الشمس ممدداً ينتظر أن تجود السماء بلون و مطر أو ينسحب هو الآخر عبر أجنحة النورس أو أن تأتي هي !!
و تحقق الاحتمال الثالث و عادت و عاد معها ألق الألوان و رمقت اللوحة بحزن عميق و قالت :
تأخرت كثيراً يا لهفي و ينقصك بعض الألوان فهمت و اعتصرت جدائلها لتمطر سواد اللون و قطفت ياسمينه من روحها لتكون بياضاً في اللوحة و جورية حمراء من شفتيها أودعتها خصلات شعره ...
انتفض يناجيها : أين أنت يا حبيبتي يا نبع اللون و الحياة !!
فلم يجبه سوى صدى صوته عبر الفراغ و الألوان و الجورية في شعره و ترداد صوتها : تأخرت كثيرا يا لهفي
تأخرت كثيراً
تأخرت
........

ليست هناك تعليقات: